الدكتور غازي القصيبي في سطور

يمثله من ظاهرة نادرة تعدت الأدب والشعر والكتابة إلى تقلد المناصب الأكاديمية والوزارية والحقائب الدبلوماسية كأول شخصية عربية يشكل الدكتور غازي القصيبي علامة فارقة في جبين المجتمع العربي والسعودي المعاصر تحديداً لما تجمع بين خبايا العمل السياسي الوطني والفلسفة الشعرية المتخمة بالعذوبة والجمال والفكر المخضب بالرؤي الواقعية للأحداث وتلاحق الأزمات.
الاسم : غازي بن عبدالرحمن القصيبي  
تاريخ الميلاد : عام 1359 هـ الموافق 2 مارس 1940م  
مكان الميلاد : الأحساء  
تاريخ الوفاة: 5 رمضان 1431هـ  
الموافق 15 أغسطس 2010 

ولادته وتعليمه الأساسي

في بيئة حزينة كانت ولادته التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940 ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته فبعد تسعة أشهر من ولادة (غازي) توفيت والدته وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفي أيضا وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال بعمره يؤنسونه.
في ذلك الجو يقول غازي" ترعرعت متأرجحابين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة(كان الخروج إلى الشارع محرّما على سبيل المثال) وثاني هما جدتي لأمي وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على (الصغير اليتيم)". ولكن لم يكن لوجود هذين المعسكرين في حياة غازي الطفل تأثير سلبي كما قد يُتوقع بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن "السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر وأن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة. "هذا المبدأ الذي عايشه غازي الطفل طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضا فكان على ما يبدو سببا في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري إلا أننا لا ندري بالضبط ماذا كان أثر تلك النشأة لدى غازي الأديب.

تعليمه الجامعي

حزم حقائبه نحو مصر وإلى القاهرة بالتحديد وفي جامعته انتظم في كلية الحقوق وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك والتي يصفها بأنها "غنية بلا حدود" ويبدو أنها كذلك بالفعل إذ (يُقال) أن رواية "شقة الحرية" التي كتبها والتي كانت هي الأخرى غنية بلا حدود تحكي التجربة الواقعية لغازي أثناء دراسته في القاهرة.
بعد ذلك عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون وكان في تخطيطه أن يواصل دراسته في الخارج وأصرّ على ذلك رغم العروض الوظيفيةالحكومية التي وصلته وكان أهمّها عرضا يكون بموجبه مديرا عاما للإدارة القانونية في وزارة _البترول والثروة المعدنية والتي كان يحمل حقيبتها آنذاك عبد الله الطريقي إلا أنه رفضه مقدما طموح مواصلة الدراسة على ما سواه, وكان أباه حينها قد عرض عليه الدخول في التجارة معه ومع إخوته إلاأنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضا فماكان من الأب "شديد الاحترام لاستقلال أولاده " كما يصفه ابنه إلا أن يقدّر هذه الرغبة بل ويساعده عبر وساطاته بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج وهذا ما تم " وفي 1962 ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية كانت الوجهة هذه المرة وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة قضى ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية, وفي أميركا وأثناء دراسة الماجستير جرّب غازي منصبا إداريا للمرة الأولى وذلك بعد فوزه "بأغلبية ساحقة" في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط خلاق بعد أن كانت الفرقة سمتها نظرا للوضع الذي كان يعيشه العالم العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبع على أحوال الطلاب العرب. العودة إلى الوطن والعمل استاذا جامعيا ثم إكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه بعد فترة عملية كان قرار غازي من بين خيارات عدة فعاد إلى الرياض عام 1964 وإلى جامعتها (جامعة الملك سعود حاليا) تقدّم آملا بالتدريس الجامعي في كلية التجارة(إدارة الاعمال حاليا) ولكن السنة لدراسية كانت قد بدأت قبل وصوله ما جعل أمله يتأجل قليلا حتى السنة التالية وفي تلك الأثناء قضى غازي ساعات عمله اليومية في مكتبة الكلية وقبيل فترة الامتحانات الجامعية جاء الفرج حاملا معه مكتباً متواضعاً ومهمة عملية لم تكن سوى لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان ! وقام حامل الماجستير في العلاقات الدولية بتلك المهمة عن طيب خاطر.

حياته الأكاديمية

مع بداية العام 1971 عادالدكتور غازي القصيبي للعمل في الجامعة بعد أن حصل على درجة الدكتوراه من لندن في المملكة المتحدة، وأدار بعد عودته بقليل مكتبا للاستشارات القانونية كان يعود لأحد أصدقاءه، ومن خلال هذه التجربة التي يعترف الدكتور غازي بأنه لم يوفق فيها تجاريا، يبدو أنه وفق بشأن آخر، وهو التعرف على طبيعة المجتمع السعودي بشكلٍ أقرب من خلال تعامله مع زبائن المكتب.
في تلك الفترة أيضا كانت الفرصة قدسنحت للكتابة بشكل نصف شهري في جريدة الرياض مع إعداد برنامج تلفزيوني أسبوعي يتابع المستجدات في العلاقات الدولية وكان لظهوره الإعلامي دور في ترسيخ هذا الاسم في ذاكرة العامة. وفي تلك الأثناء كذلك شارك القصيبي مع مجموعة لجان حكومية كانت بحاجة لمستشارين قانونيين ومفاوضين مؤهلين من ضمنها لجان في وزارة الدفاع والطيران ولجان في وزارة المالية والاقتصاد الوطني وغيرها

حياته السياسية

وفي 1973، كان القرار الهام الانتقال من الحياة الأكاديمية إلى الخدمة العامة في المؤسسة العامة للسكة الحديدية وكان سبق أن عرض عليه الأمير نايف وزير الداخلية أن يعمل مديرا عاما للجوازات والجنسية ولكنه رفض أما إدارة مؤسسة السكة الحديدية "فأثارت شهية الإداري الذي ولد داخل الأكاديمي" على حد وصف الدكتور غازي.
و قبل أن يتضح له أنه بدأ شيئا فشيئا يتحول إلى "وزير تحت التمرين" كان قد التقى مرات عدة مع الأمير فهد (آنذاك) حتى أنه شرح له في إحدى المرات فلسفة المملكة التنموية وكأن ذاك درس للطالب النجيب لينتقل نحو مجلس الوزراء وهذا ما حدث بالفعل في عام 1975 ضمن التشكيل الوزاري الجديد إذ عُيّن وزيرا لوزارة الصناعة والكهرباء ويذكر المواطن من ذلك الجيل أن الكهرباء حينها دخلت كل منزل أو على الأقل غالبية المنازل في السعودية وخلال فترة وجيزة كذلك كان من أهم إنجازات تلك الفترة نشوء شركة "سابك" عملاق البتروكيماويات السعودي.

حياته الأدبية 

كان لغازي ميول أدبية جادة ترجمها عبر دواوين أشعار كثير وروايات أكثر وربما يعدّ بسببها أحد أشهر الأدباء في السعودية ويظل رمزا أو نموذجا جيدا لدى الشباب منهم وكالعادة، فالمبدعين لابد وأن تحاصرهم نظرات الشك وتلقى إليهم تهم لها أول لكنها بلا آخر لا سيما وأن متذوقي الأدب قلة ومحبي حديث الوعاظ المتحمّسين غالبية وابتدأت تلك المشاحنات من جانب الوعاظ مع إصداره لديوانه الشعري الثالث "معركة بلا راية" عام 1970 إذ ساروا في وفود وعلى مدى أسابيع عدة نحو الملك فيصل لمطالبته بمنع الديوان من التداول وتأديب الشاعر فأحال الملك فيصل الديوان لمستشاريه ليطلعوا عليه ويأتوه بالنتيجة فكان أن رأى المستشارون أنه ديوان شعر عادي لا يختلف عن اي ديوان شعر عربي آخر إلا أن الضجة لم تتوقف حول الديوان واستمرت الوفود بالتقادم للملك فيصل فما كان منه سوى أن شكل لجنة ضمت وزير العدل ووزير المعارف ووزير الحج والأوقاف لدراسة الديوان أو محاكمته بالأصح وانتهت اللجنة إلى أن ليس في الديوان ما يمس الدين أو الخلق ولا تمر هذه الحادثة في ذهن القصيبي إلا ويتذكر موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من هذه القضية إذ يقول غازي: "سمعت من أحد المقربين إليه أنه اتخذ خلال الأزمة موقفا نبيلا وحث الملك فيصل على عدم الاستجابة إلى مطالب الغاضبين المتشنجة".